ما هي كلمات قصيدة الإمام الشافعي “لا تأسفنَّ على غـدرِ الزمانِ”، وما هو مفهوم هذه القصيدة؟ الإمام محمد إدريس الشافعي يُعد من أبرز أئمة أهل السنة، وهو من مؤسسي علم أصول الفقه، ويمتاز بالحكمة والعدالة والذكاء. إضافةً إلى مكانته الدينية، كان الشافعي شاعراً مبدعاً يتمتع بفصاحة اللسان وله العديد من القصائد. من خلال مقالنا في هذا الموقع، سنتناول واحدة من أجمل قصائده، التي هي “لا تأسفن على غدر الزمان”.
قصيدة الإمام الشافعي “لا تأسفنَّ على غـدرِ الزمانِ”
تعتبر قصيدة “لا تأسفنَّ على غدر الزمان” من القصائد العمودية التي نظمها الإمام الشافعي، وتشتمل على مجموعة من الحكم والمواعظ في كل بيت. وقد قام صدام حسين بإعادة كتابتها. وفيما يلي نستعرض كلمات القصيدة كما كتبها الإمام الشافعي، مع توضيح معناها:
1- كلمات قصيدة الإمام الشافعي “لا تأسفنَّ على غـدرِ الزمانِ”
كتب الإمام الشافعي في هذه القصيدة:
لا تأسفن على غدر الزمان لطالما
رقصت على جثث الأسود كـلاب
**
لا تحسبن برقصها تعلو على أسيادها
تبقى الأسود أسود والكلاب كـلاب
**
تموت الأسود في الغابات جوعاً
ولحـم الضـأن تأكلــه الكــــلاب
**
وذو جهل قد ينــام على حريــر
وذو علـم مفــارشــه التــراب
**
الدهر يومان ذا أمن وذا خطر
والعيش عيشان ذا صفو وذا كدر
**
أما ترى البحر تعلو فوقه جيف
وتستقر بأقـصى قـاعه الدرر
**
وفي السماء نجوم لا عداد لها
وليس يكسف إلا الشمس والقمر
**
نعيـب زماننــا والعيب فينـــا
ومــا لــزمـانــا عيـب ســوانــا
**
ونهجو ذا الزمـان بغيـر ذنب
ولو نطــق الزمـان لنــا هجانــا
**
وليس الذئـب يأكل لحـم ذئـب
ويأكـل بعضنــا بعضــا عـيانـــــا
**
دع الأيــام تفعل ما تشــاء
وطـب نفسـا إذا حكـم القضــاء
**
ولا تجــزع لحادثــة الليالي
فـمــا لحـوادث الدنيــا بــقــاء
**
ومن نزلــت بساحتــه المنايـا
فـلا أرض تــقيـــه ولا سمـــاء
**
وأرض الله واسعــة ولكـن
إذا نزل القضــاء ضـاق الفضــاء
**
دع الأيـــام تغـدر كل حيـن
فمـا يغنـي عن المـوت الــدواء
2- شرح قصيدة الإمام الشافعي “لا تأسفن على غدر الزمان”
تحمل قصيدة “لا تأسفن على غدر الزمان” العديد من الرسائل والمعاني، وأبرزها:
- ينبغي ألا نشعر بالحزن من تقلب الأقدار عبر الزمن، حيث إن ذلك لا يؤثر على قيمتنا أو مكانتنا. كما يجب ألا نستسلم لشعور الحزن في ظل الظروف القاسية، حيث استخدم الشافعي رمز الأسود للتعبير عن الصعوبات والتحديات، بينما شبه الأشخاص الذين يُقحَمون في الأمور بلا تفكير بالكلاب.
- يؤكد الإمام أن الزمن ليس له دور في تغير أحوالنا، فكل ما يحدث يعتمد على أفعالنا وقضاء الله. لذا، يدعونا للشعور بالرضا بما قسمه الله لنا، فكل ما يتم في حياتنا هو قدر محتوم.
- تتضمن الأبيات دعوة واضحة للابتعاد عن الشماتة في الآخرين، حيث أن لكل إنسان عيوبه التي يسترها الله.
- يشير الإمام إلى أن رزق الله مكتوب ومحدد، وأنه ينبغي علينا التواضع والرضا والصبر حتى يمنحنا الله ما نرجو.
- تؤكد الأبيات الختامية على حقيقة الموت وأنه لا مفر منه، مهما كانت الظروف.
الأساليب البلاغية في قصيدة “لا تأسفن على غدر الزمان”
اعتمد الإمام الشافعي في قصيدته على مجموعة متنوعة من الأساليب البلاغية، نذكر أبرزها:
- أسلوب النهي يظهر في البيت الأول:
لا تأسفن على غدر الزمان لطالما
رقصت على جثث الأسود كـلاب
- أسلوب التشبيه يتجلى في الأبيات:
وإن كثرت عيوبك في البرايا
وسرك أن يكون لها غطاء
- أسلوب الاستفهام يتضح في قوله:
أما ترى البحر تعلو فوقه جيف
وتستقر بأقـصى قـاعه الدرر
- أسلوب الأمر يتضح في قول الإمام:
دع الأيـــام تغـدر كل حيـن
فمـا يغنـي عن المـوت الــدواء
تُعتبر قصائد الإمام الشافعي منجمًا غنيًا بالحكم والمواعظ الهادفة في الحياة، وفي قصيدته “لا تأسفن على غدر الزمان” فقد عكس لنا بوضوح تقلبات الحياة، وأنها ليست دائمة ولا ينبغي أن نلقي اللوم على الزمن، فكل شيء هو قضاء وقدر من الله سبحانه وتعالى.