قصيدة “لأن الشوق معصيتي”
- يقول فاروق جويدة:
لا تذكري الأمس فإني أخفيه،
إن غفر القلب جراحي، فمن يداويه؟
قلبي وعيناكِ، والأيام في ما بينهما،
درب طويل تحملنا مآسيه.
إن خفق القلب، كيف نستعيد العمر،
كل الذي مات فينا، كيف نحييه؟
الشوق درب طويل، عشت أسلكه،
ثم انتهى الدرب، وابتسمت أغانيه.
جئنا إلى الدرب، والأفراح تحملنا،
واليوم عدنا بنهر الدمع نرثيه.
ما زلتُ أعلم أن الشوق معصيتي،
والحب لعمري ذنب لا أخفيه.
قلبي الذي لم يزل طفلاً، يعاتبني،
كيف انقضى العيد؟ كيف مرت لياليه؟
يا فرحة لم تزل كطيف تسكرني،
كيف انتهى الحلم وسط الأحزان والتيه؟
حتى إذا ما انقضى كالعيد سامرنا،
عدنا إلى الحزن، وتركنا الجراح تدمينا.
ما زال ثوب المنى بالضوء يخدعني،
قد يصبح الكهل طفلاً في أمانيه.
أشتاق في الليل عطراً منك يبعثني،
ولتسألي العطر، كيف البعد يشقيه.
ولتسألي الليل، هل نامت جوانحه؟
ما عاد يغفو، ودمعي في مآقيه.
يا فارس العشق، هل في الحب مغفرة؟
حطمتَ صرح الهوى، والآن تبكيه.
الحب كالعمر يسري في جوانحنا،
حتى إذا ما مضى، لا شيء يبقيه.
عاتبت قلبي كثيراً، كيف يذكرها،
وعمرك الغضّ بين اليأس تُلقيه.
في كل يوم تعيد الأمس في ملل،
قد يبرأ الجرح، والتذكار يحييه.
إن تُرجعي العمر، هذا القلب أعرفه،
ما زلتِ والله نبضاً حائراً فيه.
أشتاق ذنبي، ففي عينيك مغفرتي،
يا ذنب عمري، ويا أنقى لياليه.
ماذا يفيد الأسى، أدمنتُ معصيتي،
لا الصفح يجدي، ولا الغفران أبغيه.
إني أرى العمر في عينيك مغفرة،
قد ضل قلبي، فقولي كيف أهديه.
قصيدة “أغالب فيك الشوق والشوق أغلب”
- يقول المتنبي:
أُغالِبُ فيك الشّوقَ، والشوقُ أغلَبُ،
وأعجبُ من ذا الهجر والوصل أعجبُ.
أما تغلطُ الأيام في أن أرَى،
بغيضاً تنائي أو حبيباً تقربُ؟
ولله سيري، ما أقل تئيتني،
عشيّةَ شرقيّ الحدالي وغربُ.
عشيّةً أحفى الناس بي من جفوته،
وأهدى الطريقين التي أتجنبُ.
وكم لظلام الليل عندك من يدٍ،
تخبر أن المانوية تكذبُ.
وقاك ردَى الأعداء، تسري إليهم،
وزارك فيه ذو الدلال المحجبُ.
ويومٍ كليل العاشقين كمَنتهُ،
أراقب فيه الشمس أيان تغربُ.
وعيني إلى أذنيه أغر كأنه،
من الليل باقٍ بين عينيه كوكبُ.
له فضلة عن جسمه في إهابِه،
تجيء على صدرٍ رحبٍ وتذهبُ.
شققته الظلماء، أدني عنانه،
فيطغى، وأرخيه مراراً فيلعبُ.
وأصرع أي الوحش قفيته به،
وأنزل عنه مثله حين أركبُ.
وما الخيل إلا كالصديق قلةٌ،
وإن كثرت في عين من لا يجربُ.
إذا لم تشاهد غير حسن شياتها،
وأعضائها فالحُسن عنك مغيبُ.
لحى الله ذي الدنيا، مناخا لراكبٍ،
فكل بعيد الهم فيها معذبُ.
ألا ليت شعري، هل أقول قصيدةً،
فلا أشتكي فيها ولا أتعذبُ.
وبي ما يذود الشعر عنّي أقلّهُ،
ولكن قلبى يا ابنة القوم قلبُ.
وأخلاق كافور إذا شئت مدحَهُ،
وإن لم أشأ تملّي عليّ وأكتبُ.
إذا ترك الإنسان أهلاً وراءه،
ويمّم كافوراً فما يتغربُ.
فتى يملأ الأفعال رأياً وحكمةً،
ونادرةً أحياناً يرضى ويغضبُ.
إذا ضربت في الحرب بالسيف كفّه،
تبينت أن السيف بالكف يضربُ.
تزيد عطاياه على اللبث كثرةً،
وتلبث أموه السحاب فتنسحبُ.
أبا المسك هل في الكأس فضل أناله،
فإني أغني منذ حين وتشربُ.
وهبت على مقدار كفي زماننا،
ونفسي على مقدار كفيك تطلبُ.
إذا لم تنط بي ضيعةً أو ولايةً،
فجودك يكسوني وشغلك يسلبُ.
يضحك في ذا العيد كل حبيبه،
حذائي، وأبكي من أحب وأندبُ.
أحن إلى أهلي، وأهوى لقائهم،
وأين من المشتاق عنقاء مغربُ؟
فإن لم يكن إلا أبو المسك أو هم،
فإنك أحلى في فؤادي وأعذبُ.
وكل امرئ يولي الجميل محببٌ،
وكل مكان ينبت العز طيبُ.
يريد بك الحسّاد ما الله ساقطٌ،
وسمر العوالي والحديد المدربُ.
ودون الذي يبغون ما لو تخلفوا،
إلى الموت منه عشْت والطفل أشيبُ.
إذا طلبوا جدواك أعطوا وحُكّموا،
وإن طلبوا الفضل الذي فيك خيّبوا.
ولو جاز أن يحووا علاك وهبتها،
ولكن من الأشياء ما ليس يوهبُ.
وأظلم أهل الظلم من بات حاسداً،
لمن بات في نعمائه يتقلبُ.
وأنت الذي ربيت ذا الملك مرضعاً،
وليس له أم سوىكَ ولا أبُ.
وكنت له ليث العرين لشبله،
وما لك إلا الهندواني مخلّبُ.
لقيت القنى عنه بنفس كريمةٍ،
إلى الموت في الهيجا من العار تَجْرُبُ.
وقد يترك النفس التي لا تهابُه،
ويختَرِمُ النفسَ التي تتهيَبُ.
وما عدم اللاقوك بأساً وشدةً،
ولكن من لاقوا أشد وأنجبُ.
ثنّاهم وبرق البيض في البيض صادقٌ،
عليهم وبرق البيض في البيض خُلَّبُ.
سللت سيوفاً علمت كل خاطبٍ،
على كل عود كيف يدعو ويخطبُ.
ويغنيك عما ينسب الناس أنه،
إليك تنتهي المكرمات وتنسبُ.
وأي قبيل يستحقك قدْرُه،
معد بن عدنان فداكَ ويعربُ.
وما طربي لما رأيتك بدعةً،
لقد كنتُ أرجو أن أراك فأطرَبُ.
وتعذلني فيك القوافي همتي،
كأني بمَدحٍ قبل مَدحكَ مُذنبُ.
ولكنه طال الطريق ولم أزل،
أفتش عن هذا الكلام وينهبُ.
فشرّق حتى ليس للشرق مشرِقٌ،
وغرّب حتى ليس للغرب مغربُ.
إذا قلته لم يمتنع من وصوله،
جدارٌ مُعَلًّى أو خِبَاءٌ مُطَنَّبُ.
قصيدة “الشوق”
- يقول صباح الحكيم:
الشوق أضرم خافق الكلمِ،
فذوى فؤاد الشعر بالألمِ.
البعد زاد الحزن في كبدي،
وغيابكم أدى إلى عدمي.
قلوبنا اشتدت مواجعها،
ومراكب الأشواق كالحممِ.
أو هكذا تنسون عشرتنا؟
فيعود لحن الحزن في قلمي.
لولاكم ما قد سرى أبدا،
حرفي ولا غنت هنا نظمي.
وتقول إن الحب يجمعنا،
دوما ولا أنساك ذا قسمي.
أين الوعود البيض أينكم؟
يا منية الأحلام يا نغمي.
يا من هواكم خالد بدمي،
ما كان ذلك فيكم عشمي.
يا ليتني ألقاكم حلماً،
أو كالندى تطفون ذي حممي.
قصيدة “حروف الشوق”
- يقول عبد ربه حسين الملجمي:
لك أكتب حروف الشوق في أعماق أعماقي،
ولك ذكرى حفظناها فكانت عندنا الباقي.
ولك صفحات في قلبي كتبها فكري الراقي،
فاقرأها مع نفسي فتطفي لوعة أشواقي.
حروفي نورها ساطع كما صبحي وإشراقي،
ومهما غبت عن عيني، تذكرني بأوراقي.