يعتبر اختبار الله سبحانه وتعالى للإنسان في حال تعرضه للمرض معياراً لجودة إيمانه. إن الصبر على الأذى والابتلاءات يعد من أبرز أسباب الفوز بالجنة، بينما الشكوى والاعتراض يؤديان إلى الخسارة. من الواجب على الإنسان أن يتحلى بالصبر والثبات، وفي هذا المقال سنقوم بشرح معنى الآية الكريمة “وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ” وكذلك جميع الآيات المتعلقة بشفاء الأمراض.
وإذا مرضت فهو يشفين
بسم الله الرحمن الرحيم “الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويشفين وإذا مرضت فهو يشفين”
- لكل داء علاج ولكل مشكلة شفاء، وذلك من فضل ورحمة الله علينا. يجب على الإنسان أن يكون صبورًا ومتفاءلًا بالشفاء وأن يرضى بقضاء الله وقدره، فإذا رضي الإنسان وصبر على الابتلاء نال السكينة والاطمئنان.
- هناك بعض الأفراد الذين يغضبون ويتذمرون من الأمراض التي لحقت بهم، متسائلين لماذا حلت بهم دون غيرهم، مما يؤدي إلى فقدانهم نعمة الله وجنته.
-
إذا نظر الإنسان إلى مرضه من زاوية مختلفة، قد يجد فيه نعمة.
- “فما من شوكة يشاكها المؤمن إلا غفر الله بها ذنباً من ذنوبه ونقاه من خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر.”
تفسير وإذا مرضت فهو يشفين
تفسير ابن كثير
-
تعبير “وإذا مرضت فهو يشفين” يظهر أسلوب التواضع عند إسناد المرض إلى نفسه، كما جاء في قوله تعالى:
- “اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ”.
- وبذلك، فإن المعنى المقصود من “وإذا مرضت فهو يشفين” يبرز أن الشفاء لا يأتي من أحد سوى الله تعالى.
تفسير القرطبي
“وإذا مرضت فهو يشفين”
- تعني أنه في حال تعرضي للمرض نتيجة خالفتي، يشفي الله بحمده ورحمته.
- وإذا شعرت بالحنق نتيجة معاناة الخلق، فإن مشاهدتي للحق ستكون سبباً في شفائي.
تفسير الدكتور محمد راتب النابلسي
-
تشير الآيات القرآنية إلى أن مصدر المرض يأتي من الإنسان نتيجة عدم اتباع منهج الله في مسائل الصحة.
- كذلك، يشير ذلك إلى حكمة الله التي تنص على أن لكل شيء سبب، ويجب الالتزام بأوامره.
- عدم مخالفة أوامره فيما يتعلق بالصحة أمر مهم للغاية.
المرض
-
المرض هو اختبار من الله سبحانه وتعالى، ولابد من شكر الله والصبر على البلاء.
- يعد من الضروري على الإنسان أن يسعى لعلاج نفسه، ولا يستسلم بل يبحث عن العلاج ويتوجه إلى الله بالشفاء.
-
كذلك، يوفر الألم والمرض قربًا من الله، حيث يدعو العبد ربّه طالباً الشفاء ويزيد من حسناته بالصبر، فإن أراد الله له الشفاء، فإنه سيحقق ذلك.
- وكما يريد له الرضى والجنة، يمنحه سلاح الصبر ليواجه اختباراته.
- “ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون”، لذا يجب على المسلم أن يحسن الظن بالله.
أدعية للشفاء من المرض
-
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
- “أذهب البأس رب الناس أشف وأنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً.”
-
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاءني جبريل وقال: يا محمد، أتشتكي؟ فقلت نعم.
- قال: بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ومن شر كل نفس وعين حاسد بسم الله أرقيك، والله يشفيك.
آيات الشفاء من الأمراض
- وإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِين.
- وَيَشْفِ صدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِين.
- وَننَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِين.
- قلْ هوَ لِلَّذِينَ آمَنوا هدًى وَشِفَاءٌ.
- سورة الفاتحة.
- سورة الإخلاص والمعوذتين.
- لا ينبغي الاعتماد فقط على الآيات في الشفاء، بل يجب استخدام الأدوية والعلاج الطبي.
آيات الشفاء من الأمراض المستعصية
- سورة الفاتحة: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ»
- «الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» (البقرة: 1-5).
- اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ*
- إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ* ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ».
- «لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»
زيارة المريض
-
حث النبي صلى الله عليه وسلم أمته على زيارة المرضى والسؤال عنهم والتخفيف عنهم. فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ يقولُ يومَ القيامة: يا ابن آدمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قال: يا رَبِّ كيف أعُودُكَ وأنتَ رَبُّ العالَمِينَ؟
قال: أما عَلِمْتَ أنَّ عَبْدِي فلانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أما عَلِمْتَ أنَّكَ لو عادْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِندَهُ؟
ويتابع الحديث ليدلل على أهمية زيارة المرضى. - توضح هذه الأحاديث أن الله تعالى يوم الحساب يتحدث مع العبد عن عدم زيارته للمريض، مما يعكس تقدير الله لمثل تلك الأفعال.
- الله سبحانه وتعالى لا يمرض، فالمرض خاص بالمخلوقات، لكن المقصود هنا هو مرض العبد.
معلومات حول آية (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ)
الآية “وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ” جزء من دعاء سيدنا إبراهيم عليه السلام، وتحديدًا في الآية 80 من سورة الشعراء. تعبر هذه الآية عن اعتماد النبي إبراهيم الكامل على الله في مسألة الشفاء وتؤكد أن الله هو الشافي الحقيقي.
شرح آية (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ):
في هذه الآية، يدعو سيدنا إبراهيم عليه السلام بوضوح إلى أن الشفاء من الأمراض بيد الله وحده، على الرغم من أن المرض قد يحدث بسبب عوامل مادية، فإن الشفاء الحقيقي لا يتحقق إلا بمشيئة الله.
يقول إبراهيم عليه السلام “وَإِذَا مَرِضْتُ” بصيغة المتحدث، مما يدل على تواضعه واعترافه بأن المرض يمكن أن يصيبه كما يصيب الآخرين. ولكنه يؤكد أن الشافي هو الله، مما يعني أن الشفاء ليس مرتبطاً بأي سبب مادي.
الدروس المستفادة من هذه الآية تشمل:
- التوكل على الله في جميع أمور الحياة، خاصة في الشفاء.
- الاعتراف بأن الشفاء في يد الله وحده، حتى لو استخدمت الأسباب المادية.
- الحث على الدعاء والرجاء لله بطلب الشفاء.
اسم الله “الشافي” والتوكل على الله في الشفاء
اسم الله “الشافي”:
- هذا الاسم يعد أحد أسماء الله الحسنى، حيث يدل على قدرته على شفاء الأمراض وإزالة الأكدار. يُظهر اسم “الشافي” أن الله هو الوحيد الذي بيده الشفاء، وهو القادر على إبراء الأجساد والنفوس.
التأمل في اسم “الشافي”:
- الدعاء لله في حالة المرض، طلباً للشفاء والرحمة.
- الرضا بما قدره الله، سواء في الصحة أو المرض.
- الحرص على عدم اليأس، حيث إن معرفة الله كـ “الشافي” تعزز الأمل بإمكانية الشفاء.
التوكل على الله في الشفاء
التوكل على الله في الشفاء يعني الاعتماد المطلق على الله في منح الشفاء، مع اتخاذ الأسباب الصحيحة للعلاج. يُعد التوكل من أعظم العبادات القلبية، حيث يكشف الإنسان عن ثقته وتوكله في الله.
أشكال التوكل على الله في الشفاء تشمل:
- الدعاء كخطوة أولى في التوكل والاستغاثة بالله.
- استخدام الأسباب العلاجية المشروعة من خلال زيارة الطبيب وتناول الأدوية، مع وضع الثقة في الله.
- الصبر والرضا كصفات أساسية في قلب المؤمن المتوكل على الله.
التوازن بين التوكل واتخاذ الأسباب:
- الإسلام يحث على الجمع بين التوكل على الله واتباع الأسباب. لذا، ينبغي للمرء أن يسعى للعلاج ويسلك الطرق الطبية المتاحة، لكنه يجب أن يعتمد على الله تعالى في الشفاء.