قصيدة تعبير عن الحب
تتناول الشاعرة العراقية نازك الملائكة في قصيدتها موضوع الكلمات وطرق تعبيرها.
لماذا نشعر بالخوف من الكلمات،
بينما هي في بعض الأحيان تبقى كأكف من الزهور،
تلامس وجنتينا بماء عطرها منعشاً.
وأحياناً تكون كؤوس من رحيق الحياة،
يتذوقها شفة عطشى في جوٍّ صيفي.
…
لماذا نخشى الكلمات؟
فبعضها يُعتبر أجراساً خفية،
تخبرنا بحقيقة أعمارنا المتأججة،
كفجر عذب يُنبت الأمل والحياة،
فنحن إذاً في رهبة من الكلمات.
…
لقد لجأنا إلى السكون،
وصمتنا عجز عن كشف أسرارنا،
حيث اعتقدنا أن في الألفاظ غولاً مستتراً.
نحن أعجزنا حروفاً تفيض بالأحاسيس،
ولم نسمح لها بأن تنشر أحلامنا وضوءنا في الليالي.
…
فلماذا نخشَى الكلمات؟
إنها نافذة تطل على حبٍ يتجاوز الظلمة،
فلنرفع الحجاب عن صمتنا.
إنها حروف تحمل داخلها أمانينا،
تغلف شغفنا بالأمل والإيمان،
فمتى تتجلى رغبتنا في احتضان الكلمات؟
…
لماذا نقطع علاقتنا بالكلمات،
الكلمات التي تأتي من عمقنا الدافئ؟
إنها تفاجئنا وتلهمنا،
تجلب لنا أفكاراً تنسج من واقع خصب،
تسكننا بغير علم الحياة،
وحيث غداً تعبر بأفراحها إلى حضننا.
فلماذا لا نتقبل الكلمات بحب؟
…
فيمَ نخشى الكلمات؟
كلماتٌ تحمل رائحة العذوبة،
لها أصواتٌ تقترب من مشاعرنا،
وكلمات أخرى مثقلة بالفرح،
تنساب كالأمواج عبر سطور الأحلام.
فالكلمات الشعرية تتسلل لمسة إلى وجناتنا،
وتمزج أصداءها في عالمنا بالعواطف.
…
فلماذا نخشَى الكلمات؟
حتى إن كانت أشواكها قد جُرحتنا يوماً،
ففي أحضان الحب تنسج أمانينا.
لنتذكر أنها قد تركت وعوداً في أيدينا،
وغداً ستغمرنا بأحلام الحياة.
آه، فليتوجّه الحب نحو بطونٍ مليئة بالكلمات!
…
في المستقبل، سنبني عشنا بأفكارنا،
نتسلقه كعناقيد اللبلاب.
سنصهر الشعر في أيقونتنا،
ونروي زهره بالكلمات،
ونصنع له شرفةً للعطر والزهر.
وسيجعلها أعمدة راسخة من الكلمات.
وتمريراً بارداً في ظلال الحياة.
حيث كلماتنا تحرسها.
قصيدة نشيد المطر
يقدم الشاعر العراقي بدر شاكر السياب وصفاً عميقاً للمطر وعواطفه.
عيناكِ كغابات النخيل في لحظات السحر،
أو شرفتان يبتعد عنهما القمر.
عيناك عندما تبتسمين تشعلين الكروم،
وترقص الأضواء كالأقمار في النهر،
تهتز بهدوء حين يشتهي السحر،
كأنما تنبض النجوم عند أنفاسهما.
ويغمر الضباب أحزاناً شفافة.
كالبحر الذي مدّ يديه تحت قمر المساء،
ودفء الشتاء وروح الخريف،
والموت، والميلاد، والظلام، والضياء؛
فتستفيق روحي من سكرات البكاء.
ونشوةٌ همجية تتعانق في السماء،
كنشوة طفل يشعر بالخوف من القمر!
كأن المنحنيات تشرب الغيوم.
تتدفق القطرات واحدة تلو الأخرى في المطر.
وملأ الأطفال جنبات الكروم بضحكاتهم،
ودغدغوا صدد العصافير فوق الشجر.
إنها أنشودة المطر.
مطر..
مطر..
مطر..
هدوء المساء طويل، والغيم لا يزال،
يذرف ما يستطع من دموعه الثقيلة.
كأنما طفلٌ خلّف جرحاً في قلبه،
بحيث ينتظر عودة الأم.
ولا بد أن تعود،
حتى لو ضاع الأمل، واعتقد الرفاق أنها تخلدت بنومها.
هناك، حيث تلقي في التراب.
كأن صياداً حزيناً يجمع شباكه،
يلعن العناصر والقَدَر.
وينثر الغناء حيث يغيب القمر.
مطر..
مطر..
أتعلمين ما الذي يثير الحزن في المطر؟
وكيف تنشق المزاريب عندما يسقط؟
وكيف يشعر العازب بالوحدة في الزحام؟
دون نهاية، كدمٍ مهراق، كالجياع،
كالحب، كالأطفال، كالأموات؛ إنه المطر!
وعينيكِ تحلقان معي خلال المطر،
ويخيل إليّ أن البرق يلمع عبر أمواج الخليج.
سواحل العراق تحتضن النجوم والمحار،
كأنها تستعد للفجر،
فتأخذ الليل بعماده العميق.
أصرخ للخليج: “يا خليج،
يا هدية اللؤلؤ، والمحار، والقدر!”
فيرجع الصوت، كأنه النحيب:
“يا خليج،
يا هدية المحار والقدر…”
أكاد أسمع العراق يستجمع الرعود،
ويصون البرق في السهول والجبال.
وحين تفك الرياح الأثقال عنهم،
لا تترك خلفها آثار القدم.
أكاد أسمع النخيل يشرب المطر،
وأسمع القرى تئن، والمهاجرين
يصارعون الأعاصير، يفكرون:
“مطر…
مطر…
مطر…”
وفي العراق جوع،
وظل يسكب من الحصاد سنة بعد سنة،
لتشبع الغربان والجراد،
وتدور الرحى في الحقول،
ويحيط بها بشر.
مطر…
مطر…
مطر…
وكم دمعت عيوننا عند الرحيل،
ثم اعتذرنا -خوف الوم- بالمطر…
مطر…
مطر…
منذ الطفولة، كانت السماء تغيم في الشتاء،
وينزلق المطر،
كل عام -عندما يزدهر الزرع- نجد الجوع ينتشر،
ما من عامٍ مرّ على العراق دون جوع.
مطر…
مطر…
في كل قطرة من المطر،
حمرا أو صفراء من زهور الحياة.
وكل دمعة من الجياع والعراة،
وكل قطرة تُراق من دم العبيد،
تحمل الفرحة في انتظار ابتسامة جديدة،
أو حُلم يتفتح على شفاه الأطفال.
في عالم الغد الذي ولِد حديثاً، ووهب الحياة!
مطر…
مطر…
سيجعل العراق يزدهر بالمطر!”
أصرخ للخليج: “يا خليج…
يا هدية اللؤلؤ، والمحار، والقدر!”
فيرجع الصوت، كأنه النحيب:
“يا خليج،
يا هدية المحار والقدر.”
وينثر الخليج من هباته الكثير،
على الرمال، رغوه الأُجاج، والمحار،
وما تبقى من عظام بائس غريق،
من المهاجرين، يبقى يشرب القتل،
من لجج البحر والأعماق.
وفي العراق، ألف أفعى تشرب الرحيق،
من زهر الفرات بالتندى.
وأسمع الصوت يتردد في الخليج،
“مطر…
مطر…
في كل قطرة من المطر،
حمراء أو صفراء من أجنّة الزهر،
وكل دمعة من الجياع والعراة،
وكل قطرة تُراق من دم العبيد،
ابتسامة تنتظر جديداً،
أو حُلماً يُزهر على شفاه المولودين،
في عالم الغد الفتي، واهب الحياة!
ويبدأ المطر..
…
عمرنا نحن قد نافح بالصلاة،
فمن سنصلي له… إن لم يكن الكلمات؟
قصيدة في صدى الفراق
يقول الشاعر بدر شاكر السياب في قصيدته:
هناك بقايا من القافلة،
تضيء لها نجمة قد غابت،
على طريق الفناء،
تؤنسها بأغنية خافتة،
شفاه ظمأى،
تتراقص في السراب،
تنزع النقاب عن نظرة ذاهلة،
وشوق يُذيب الحدود.
…
ظلال تراق على صفحة باردة،
تتحرك بقبضة مارد،
وتدفعها لحنٌ مهيض إلى الهاوية.
ظلال فوق سلم ناري،
تسقط في الفضاء المرعب،
ما تبقى من مرتبة منسيّة.
وأرخى قناع الوجود على الهاوية،
سنمضي، ويبقى السراب،
وظل الشفاه الظمأى،
يهيم خلف النقاب.
وتسير الظلال ببطء،
على صوت خطواتك العارية،
نحو ظلام الهاوية.
وننسى على قمة السلم،
هوانا.. فلا تحلمي
بأنا نعود!
قصيدة مع المبدع أبو العلاء المعري
يقول الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري:
قف في المعرة وامسح خدها بالتربة،
واستوحِ مما وهبته الدنيا طوقا،
واستلهِم من حكمة الدنيا،
ومن جروحها أطلق روحك.
وسائل الحفرة اللامعة،
هل تبحث عن طعامٍ أو تنتظر أمراً؟
يا برج ذخر الأجداث، لا تبتعدي،
إن لم تكوني طَرف السماء،
فكل نجم تمنى في قراره،
يؤمن أن شعاع منك قد جذبه.