شعر الغزل
لقد ازدهر شعر الغزل منذ العصور القديمة، حيث كانت قصائد العصر الجاهلي تحتوي دائماً على عناصر الغزل، حتى وإن كان الغرض الأساسي منها مختلفاً. وقد تركز الغزل في هذه القصائد على وصف جمال المرأة، ابتداءً من ملامح وجهها وصولاً إلى جسدها. وعادةً ما ينقسم شعر الغزل إلى نوعين: الغزل العذري والغزل الصريح. في هذا المقال، سنستعرض بعضاً من قصائد ومقتطفات الغزل في العصر الجاهلي.
وفي الحي بيضاء العوارض ثوبها
علقمة بن عبادة بن ناشرة بن قيس هو أحد أبرز شعراء العصر الجاهلي، حيث توفي عام 603م. ومن أشهر قصائده في الغزل:
وفي الحي بيضاء العوارض ثوبها
إذ ما اسبكرت للشباب قشيب
وعيس بريناها كأن عيونها
قوارير في أذهانهن نضوب
ولست لإنسي ولكن لملأكٍ
تنزل من جو السماء يصوب
وأنت أزلت الخنزوانة عنهم
بضرب له فوق الشؤون وجيب
وأنت الذي آثار في عدوه
من البؤس والنعمى لهم نودوب
النصيف
النابغة الذبياني هو شاعر آخر مشهور، حيث طلب منه النعمان أن يصف زوجته، وقال في قصيدته:
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه
فتناولته واتفقتنا باليد
بمخضب رخص كأن بنانه
عنم على أغصانه لم يعقدِ
نظرت إليك بحاجة لم تقضها
نظرة السقيم إلى وجوه العود
قامت تراءى بين سجفي كلة
كالشمس يوم طلوعها بالأسعد
أو درة صدفية غواصها
بهج متى يرها يهل ويسجد
أو دمية من مرمر مرفوعة
من لؤلؤ متتابع متسرّد
لو أنها عرضت لأشمط راهب
عبد الإله صرورة متعبد
لرنا لبهجتها وحسن حديثها
ولخاله رشداً وإن لم يرشد
جفون العذارى من خلال البراقع
عنترة بن شداد هو شاعر جاهلي معروف بشعره الجميل وغزله العفيف بعبلة، ومن أبرز قصائد الغزل في محبوبته:
جفون العذارى من خلال البراقع
أحدّ من البيض الرقيق القواطع
إذا جردت ذل الشجاع وأصبحت
محاجره قرحى بفيض المدامع
سقى الله عمي من يد الموت جرعةً
وشلت يداه بعد قطع الأصابع
كما قاد مثلي بالمحال إلى الردى
وعلق آمالي بذيل المطامع
لقد ودعتني عبلة يوم بينه
وداع يقين أنني غير راجع
وناحت وقالت كيف تصبح بعدن
إذا غبت عنا في القفار الشواسع
وحقك لا حاولت في الدهر سلوة
ولا غيرتني عن هواك مطامعي
فكن واثقاً مني بحسن مودةٍ
وعش ناعماً في غبطة غير جازع
فقلت لها يا عبلة إني مسافر
ولو عرضت دوني حدود القواطع
خلقنا لهذا الحب من قبل يومن
فما يدخل التفنيد فيه مسامعي
أيا علم السعدي هل أنا راجعٌ
وأنظر في قُطريك زهر الأراجع
وتبصر عيني الربوتين وحاجر
وسكان ذاك الجزع بين المراعي
وتجمعنا أرض الشرابة واللوى
ونرتع في أكناف تلك المراعي
فيا نسيمات البان بالله خبريني
عبيلة عن رحلي بأي المواضع
ويا برق بلّغها الغداة تحياتي
وحي دياري في الحمى ومضاجعي
أيا صادحات الأيك إن متّ فاندبي
على تربتي بين الطيور السواجع
ونوحي على من مات ظلماً ولم ينل
سوى البعد عن أحبابه والفجائع
ويا خيل فابكي فارساً كان يلتقي
صدور المنايا في غبار المماحم
فأمسى بعيداً في غرام وذلةٍ
وقيد ثقيل من قيود التوابع
ولست باكٍ إن أتتني منيتي
ولكنني أهفو فتجري مدامعي
وليس بفخر وصف بأسي وشدتي
وقد شاع ذكري في جميع المجامع
بحق الهوى لا تعذروني وأقصرو
عن اللوم إن اللوم ليس بنافع
وكيف أطيق الصبر عمّن أحبّه
وقد أضرمَت نار الهوى في أضالعي
أتعرف رسم الدار قفراً منازله
طرفة بن العبد هو شاعر جاهلي عربي، وُلد عام 543م وتوفي عام 569م، ومن قصائده في الغزل:
أتعرف رسم الدار قفراً منازله
كجفن اليمان زخرف الوشي ماثله
بتثليث أو نجران أو حيث تلتقي
من النّجد في قيعان جأش مسائلُه
ديار لسلمى إذ تصيدك بالمنا
وإذ حبل سلمى منك دانٍ تواصلُه
وإذ هي مثل الرئم صيد غزالها
لها نظر ساجٍ إليك تواغله
غنينا وما نخشى التفرق حقبةً
كلاهما غرير ناعم العيش باجله
ليالي أقتاد الصبا ويقودني
يجول بنا ريعانه ويُحاولُه
سما لك من سلمى خيال ودونها
سواد كثيب عرضه فأمايله
فذو النير فالأعلام من جانب الحمى
وقف كظهر الترس تجري أساجله
وأنّى اهتدت سلمى وسائل بيننا
بشاشة حبٍ باشر القلب داخله
وكم دون سلمى من عدو وبلدة
يحار بها الهادي الخفيف ذلاذله
يظل بها عير الفلاة كأنه
رقيب يخافي شخصه ويضائلّه
وما خلت سلمى قبلها ذات رجلة
إذا قسوريّ الليل جيبت سرابله
وقد ذهب سلمى بعقلك كله
فهَل غير صيد أحرزته حبائلُه
كما أحرزت أسماء قلب مرقشٍ
بحب كلمع البرق لاحت مخايله
وأنكح أسماء المرادي يبتغي
بذلك عوف أن تصاب مقاِتله
فلمّا رأى أن لا قرار يقره
وأن هوى أسماء لابد قاتله
ترحل من أرض العراق مرقشٌ
على طرب تهوي سراعاً رواحله
إلى السرو أرض ساقه نحوها الهوى
ولم يدري أن الموت بالسرو غائله
فغودر بالفردين أرض نطيه
مسيرة شهر دائبٍ لا يواكله
فيا لك من ذا حاجة حيل دونها
وما كل ما يهواه امرؤ هو نائله
فوجد لي بسلمى مثل وجد مرقشٍ
بأسماء إذ لا تستفيق عوازله
قضي نحبه وجداً عليها مرقشٌ
وعُلّقْتُ من سلمى خبالاً أُماطله
لعمري لموت لا عقوبة بعده
لذي البث أشفى من هوىً لا يزايله
برد نسيم الحجاز في السحر
في واحدة من قصائد عنترة بن شداد عن تغزله بمحبوبته، يقول:
برد نسيم الحجاز في السحر
إذا أتاني برائحته العطر
ألذّ عندي مما حوته يدي
من اللآلي والمال والبدَر
وملك كسرى لا أشتهيه إذا
ما غاب وجه الحبيب عن النظر
سقى الخيام التي نصبن على
شربة الأنس وابل المطر
منازل تطلع البدور بها
مبرقعات بظلمة الشعر
بيض وسمر تحمي مضاربها
أساد غاب بالبيض والسمر
صادت فؤادي منهن جارية
مكحولة المقلتين بالحور
تشيرك من ثغرها إذا ابتسمت
كاس مدام قد حفت بالدرر
أعارت الظبي سحر مقلتها
وبات ليث الشرَى على حذر
خود رداح هيفاء فاتنة
تخجل بالحسن بهجة القمر
يا عبل نار الغرام في كبدي
ترمي فؤادي بأسهم الشرر
يا عبل لولا الخيال يطرقني
قضيت ليلتي بالنوح والسهر
يا عبل كم فتنة بليت بها
وخضت بها بالمهنّد الذكر
والخيل سود الوجوه كالحة
تخوض بحر الهلاك والخطر
أدافع الحادثات فيك ولا
أطيق دفع القضاء والقدر
بين العقيق وبين برقة ثهمد
وكما قال الشاعر عنترة بن شداد في التغزل بمحبوبته:
بين العقيق وبين برقة ثهمد
طلل لعبلة مستهل المعهد
يا مسرح الآرام في وادي الحمى
هل فيك ذو شجن يروح ويغتدي
في أيمن العلمين درس معالم
أوهى بها جلدي وبان تجلدي
من كل فاتنة تلفت جيدها
مرحاً كسالفة الغزال الأغيد
يا عبلاً كم يُشجَى فؤادي بالنوى
ويرعيني صوت الغراب الأسود
كيف السلو وما سمعت حمائم
يندبن إلا كنت أول منشد
ولقد حبست الدمع لا بخلاً به
يوم الوداع على رسوم المعهد
وسألت طير الدوح كم مثلي شجا
بأنينه وحنينه المتردد
ناديته ومدامعي منهلة
أين الخلي من الشجي المكمد
لو كنت مثلي ما لبثت ملوّناً
وهتفت في غضن النقا المتأود
رفعوا القباب على وجوه أشرفت
فيها فغيبت السهى في الفرقد
واستوقفوا ماء العيون بأعين
مكحولة بالسحر لا بالإثمِدِ
والشمس بين مضرّج ومبلج
والغصن بين موشّح ومقلد
يطلعن بين سوالف ومعاطف
وقلائد من لؤلؤ وزبرجد
قالوا اللقاء غداً بمنعَرَج اللوى
واطول شوق المستهام إلى غد
وتخال أنفاسي إذا ردّدتها
بين الطلول محتا نقوش المبرد
وتنوفة مجهولة قد خضتها
بسنان رمح ناره لم تخمد
باكرتها في فتية عبسية
من كل أرواع في الكريهة أصيد
وترى بها الرايات تَخفُقُ والقنا
وترى العجاج كمثل بحر مزبد
فهناك تنظر آل عبس موقفي
والخيل تعثر بالوشيج الأملد
وبوارق البيض الرقاق لوامع
في عارض مثل الغمام المرعد
وذوابل السمر الدقاق كأنها
تحت القتام نجوم ليل أسود
وحوافر الخيل العتاق على الصفا
مثل الصواعق في قفار الفدفد
باشرت موكبها وخضت غبارها
أطفأت جمر لهيبها المتوقد
وكررت والأبطال بين تصادم
وتهاجمٍ وتحزّبٍ وتشدّد
وفوارس الهيجاء بين ممانعٍ
ومدافع ومخادع ومُعربد
والبيض تلمع والرماح عواسل
والقوم بين مجدّل ومقيد
وموسّد تحت التراب وغيرُهُ
فوق التراب يئن غير موسد
والجو أقتم والنجوم مضيئة
والأفق مغبر العنان الأربد
أقحمت مهري تحت ظل عجاجة
بسنان رمح ذابل ومهند
رَغَّمتُ أنفَ الحاسدين بسَطْوتي
فغدوا لها من راكعين وسجدِ