العلاقة الزوجية خلال فترة الصيام
لقد أقرّ الله -سبحانه وتعالى- الزواج كعلاقة مقدسة، حيث يجعل فيها المودة والرحمة بين الرجل وزوجته. يُعتبر الزواج ركيزة أساسية لتكوين الأسرة المسلمة، التي تُعتبر العمود الفقري للمجتمع. ومن المهم التأكيد على أن التوصيات الشرعية الموجودة حول العلاقة بين الزوجين أثناء شهر رمضان تحثّهم على توخي الحذر فيما يتعلق بالأفعال المرتبطة بالشهوة. التواصل، الضحك والتعلّم وتبادل الحديث مسموح بها، ولكن يُفضل تجنب أي تصرفات قد تؤدي إلى الجماع، مثل التقبيل أو المعانقة، وذلك لأن هذه الأمور تُعدّ من الشهوات التي يمتدح الله الصائم لابتعاده عنها تقرُّباً إليه، كما جاء في الحديث القدسي: (يَتْرُكُ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ وشَهْوَتَهُ مِن أجْلِي الصِّيَامُ لِي، وأَنَا أجْزِي به والحَسَنَةُ بعَشْرِ أمْثَالِهَا). يجب على الصائم أن ينتبه إلى أن هذه المحظورات تختلف في درجة خطورتها، حيث يُعتبر الجماع هو الأكثر خطراً على الصائم، لأنه قد يتسبب في الإفساد لصيامه. وعلى الرغم من أن بعض أهل العلم أباحوا التقبيل أثناء الصيام، إلا أنهم وضعوا شروطاً لذلك، منها التأكد من قدرة الصائم على التحكم في نفسه لتفادي ما قد يُفسد صيامه. ومن المهم أن يحرص الزوجان على إدراك العديد من الأحكام المرتبطة بصيام رمضان.
أحكام الصيام للمتزوجين
حكم الجماع للصائم
يحظر على الصائم في نهار رمضان ممارسة الجماع مع زوجته، حيث يُعتبر هذا الأمر من مفطرات الصيام، مثل الأكل والشرب. قال الله -تعالى-: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ). تُشير هذه الآية إلى السماح بالممارسة الزوجية في الليل، مما يعني أن الصيام يشتمل على الامتناع عن الأكل، والشرب، والجماع، وسائر المفطرات.
يرجع سبب تحريم الجماع أثناء نهار رمضان إلى الهدف من عبادة الصيام، وهو كبح جماح النفس عن الشهوات، مثل الأكل والشرب، خاصة وأن الانغماس في الشهوات يزيد من وسوسة الشيطان ويضعف من قوة العزيمة في أداء العبادات. يُعتبر الجماع من نعم الله -تعالى- على الإنسان، مثل الأكل والشرب، ولذلك حظره الله في نهار رمضان وجعله من المفطرات، بل ربط بينه وبين كفارة مشددة.
قد أوضح العلماء أن من جامع زوجته في نهار رمضان فإن عليه الإثم، وقد بطل صيامه، ووجب عليه صوم ما تبقى من اليوم، حيث إن كل من أفسد صيامه في نهار رمضان بغير عذر شرعي، يتوجب عليه إمساك بقية اليوم، مع ضرورة قضاء ذلك اليوم، وكفارة. تجدر الإشارة إلى أن كفارة الجماع في نهار رمضان تُعتبر من أشد الكفارات، حيث تكون بعتق رقبة. وإن لم يجدها، فعليه صيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع، فعليه إطعام ستين مسكينًا. أما إذا كان الصيام نافلة، وأفطر المُكلَّف بالجماع، فلا تترتب عليه أي أفعال.
وقد أكّد العلماء حكم من جامع زوجته في نهار رمضان ناسيًا، حيث أقرّوا بعدم بطلان صيامه، وفقًا لما ينطبق على حكم من أكل أو شرب ناسيًا، وأُعفي عنه، على الرغم من أن هذا الأمر مستبعد في صيام الفريضة.
حكم التقبيل للصائم
التقبيل الذي يُفطر الصائم هو الذي يؤدي إلى الإنزال، وهذا متفق عليه لدى العلماء. إذا لم يحدث إنزال بسبب التقبيل، يعتمد الحكم على طبيعة الشخص الصائم. فإذا كانت القبلة تُثيره وتحرِّك شهوته، فيكون حكمها مكروه، لكنها ليست مبطلة للصيام. يتجلى ذلك في قول أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَهو صَائِمٌ، وَيُبَاشِرُ وَهو صَائِمٌ، وَلَكِنَّهُ أَمْلَكُكُمْ لإِرْبِهِ). بينما إذا كانت القبلة لا تؤثر على الصائم، فلا حرج فيها، وإن كان من الأفضل تجنبها، استناداً إلى ما روى عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، حين قال: (هشَشتُ فقبَّلتُ وأنا صائم، فقُلتُ: يا رسول اللهِ، فعلتُ شيئًا عظيمًا، فقال: هل مَضمَضتَ من الماءِ وأنتَ صائم؟ فقلتُ: لا بأسَ بذلك، فقال: إذن استمرّ). أشار جمهور العلماء إلى أن حكم التقبيل يعتمد على الإثارة أو الإنزال، وهو ما يتذبذب بين الكراهة والإباحة، ولا يوجد اختلاف بين الشاب وكبير السن في هذا الحكم. بينما ذهب المالكية إلى كراهة التقبيل للصائم بصفة عامة.
وفي هذا السياق، ناقش العلماء حكم نزول المذي المُصاحب للتقبيل في نهار رمضان، فقال الإمام أحمد والمالكية أنه مُبطل للصيام، بينما الإمام الشافعي وأبو حنيفة قالوا إنه لا يُبطل الصيام.
تأكيداً على ذلك، ساق أهل العلم ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- حول استفسار رجل عن المباشرة للصائم، حيث أُجيز له، بينما تم التحذير من ذلك لرجل آخر. ومن المهم التوضيح أن المباشرة في الحديث لا تعني الجماع، بل تشمل الملامسة والقبلة. وضّح العلماء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يُرخّص للشاب لأن شهوته قد تكون أكبر من الشيخ، مما يجعله أكثر عرضة لفساد صيامه.
الأحكام المتعلقة بنزول المني للصائم
المني هو سائل كثيف لونه أبيض مائل للصُّفرة، ورائحته تشبه طلع النخيل أو العجين، يخرج بقوة عند ازدياد الشهوة، ويتبعه شعور بالتعب. يُعتبر المني طاهرًا ولكنه يُوجب الغسل. أما المذي فهو سائل زلق شفاف، يفرز عند الشهوة دون تدفق، ويُعتبر نجسًا لكنه لا يُوجب الغسل بل يحتاج إلى وضوء.
تنفصل الأحكام بشأن وصول المني بناءً على الأسباب، حيث إن نزوله نتيجة التقبيل أو الملامسة أو الاستمناء يُفطر ويستلزم القضاء، بالاتفاق بين مذاهب العلماء. لكن لا تُفرض كفارة عليه، لأن العقوبة خاصة بالجماع، أما إذا نزل المني نتيجة التفكير دون أي تلامس، أو عندما ينام الصائم فيحلم ويخرج المني، فهذا لا يُفطر، وهذا مجمع عليه من قبل أهل العلم.
بعد توضيح حكم نزول المني للصائم، نتطرق إلى معنى الاستمناء وحكمه. الاستمناء يعني محاولة إخراج المني بطريقة غير طبيعية، سواء باستخدام اليد أو غيرها من الوسائل. يُعتبر الاستمناء مُحرمًا، كما ذُكر في قوله -تعالى-: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ*إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ*فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَـئِكَ هُمُ الْعَادُونَ). تدل هذه الآية على تحريم الاستمتاع بغير الزوجة. وقد اتفقت المالكية والشافعية والحنابلة والغالبية من الحنفية على أن الاستمناء باليد يُبطل الصيام، بينما خالفهم أبو القاسم من الحنفية، حيث اعتبره لا يُبطل الصيام لأنه مختلف تمامًا عن الجماع. أما الاستمناء بالنظر سواء كان بشكل متكرر أو غيره، وقد اتفق المالكية والحنابلة على أنه مُبطل للصيام، بينما خالفهم الحنفية والشافعية، حيث قالوا إنه لا يُبطل الصيام، ولا تجب الكفارة، باستثناء المالكية الذين يرون وجوبها في حال التكرار والانزال.
حكم صيام الجنب
ذهب العلماء إلى جواز تأخير الغسل لمن جامع زوجته ليلاً أو أصابه جنابة، دون أن يؤثر ذلك على صحة صيامه. وأكد الإمام النووي أن جمهور العلماء قد اتفقوا على ذلك، واستندوا في حكمهم إلى حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، التي قالت: (أنَّ رَجُلًا جَاءَ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَسْتَفْتِيهِ، وهي تَسْمَعُ مِن وَرَاءِ البَابِ، فقالَ: يا رَسولَ اللهِ، تُدْرِكُنِي الصَّلَاةُ وَأَنَا جُنُبٌ، أَفَأَصُومُ؟ فقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: وَأَنَا تُدْرِكُنِي الصَّلَاةُ وَأَنَا جُنُبٌ فأصُومُ).
حكم المداعبة بين الزوجين أثناء الصيام
إن حكم المداعبة بين الزوجين خلال الصيام يتعلق بالأحكام الخاصة بالمتزوجين، حيث يرى العلماء أنه يُمكن القيام بها بشرط الانتباه لعدم اشتداد الشهوة التي قد تؤدي إلى إنزال المذي أو المني. إذا شعر أحد الزوجين بالقلق من احتمال هذا، فلا تجوز المداعبة، حيث قد تُعرض صيامهم للفساد. أظهر البخاري عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قائلة: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُقَبِّلُ ويُبَاشِرُ وهو صَائِمٌ، وكانَ أمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ). كما أن عمر بن أبي سلمة -رضي الله عنه- استفسر عن مشروعية تقبيل الصائم، ووافقه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ذلك، مع الإشارة إلى أنه قد غُفِر له ما مضى، قائلًا: (والله إنّي لأخشاكم لله وأعلمكم بما أَتَّقي). وهذا الحديث يُوضح جواز التقبيل للصائم، ويمكن تطبيق ذلك على حكم المداعبة، والضم، وغير ذلك من المقدمات المؤدية للجماع.