قصيدة نهر الأحزان
تأملات نزار قباني:
عيناك كنهري أحزان، نهر موسيقى يعزف خلف الأزمان. عزيزتي، لقد ضاع عازف الأمل، وضاع دمعي الأسود فوقهما، يتدفق كأنغام تعزفها عيناك. أتعلمين، القدح العاشر ينفجر في داخلي، وأنا جالس في مقعدي، تأكلني الجراح. هل أستطيع أن أقول أحبك، يا قمري؟ آهٍ لو كان هناك مجال، فأنا لا أملك شيئًا في هذه الدنيا سوى عينيك وأحزاني.
أنا مثل سفينة في مرفأ، تتخبط فوق الأمواج. مصيري محطّم في صدري. هل أستطيع السفر دونك، يا ليلة؟ لهذا الظل الذي يسكن جفني. يا صيفي الأخضر، يا شمسي، يا ألواني الأكثر جمالاً. هل يمكن أن أغادر عنك بينما قصتنا أجمل من عودة الربيع؟
سيّدتي، لا تبكي، فإن دموعك تدمي وجداني. لأني أقول أحبك، وقتاً يجري، لا أستطيع أن أنسى. لقد فقدت اسمي، ضاعت هويتي. أعتقد أنني أنتمي إلى قاع النسيان. أنا مثلك، إنسان مجروح! ماذا يمكنني أن أعطيك، أخبريني: أهي أفكاري، أم مشاعري؟
أنا شخص يقوم على أحلام لا تبللها الدموع. أقول أحبك، ولكنك تبتعدين. لدي تاريخ، لكني نسيت معالمه. أعلم أنني لن أملك شيئًا سواك.
قصيدة أمي
يقول عبد الله البردوني:
تركتني هنا تحت وطأة العذاب، ومضت بعيداً، تاركةً لي حزني واكتئابي. تركتني وحدي في شقاء هذا العالم، بينما هي تستريح تحت التراب، حيث لا غدر ولا بغي ولا أنين سوى صمت الموت.
هناك لا سيف ولا صراخ؛ حيث لا حروب، فقط الذكرى. كنت أذكر صفاء الشباب كما يذكر الشيخ خيالات الماضي، لكنني الآن متروك وحدي، أشعر بشوقي يتجلى.
أدعوها، لكن الحياة تأبى أن تسمعني، فلا يسمعني سوى صمت القبر. موتها كان مصيبة، وحياتي بعدها ليست سوى حزن فائق. أين ظلها الحاني الآن، وقد غاب عني إلى الأبد؟
أيامها تجرحني كالأشواك، ومضت بعيدة في طرق الحياة، فراحت بهدوء تحت ستار الغياب. آهٍ، يا أمي، كيف يمكن أن أنسى أوجاع الفراق وقد ودعت شبابي برحيلك؟
كيف يمكنني نسيانك وذكراك تراسخ في كل يوم؟ إن ذكراك تعود لي كذكرى في كل اتجاه أذهب إليه. كنت دوماً هناك، يديك في يدي وحنانك يرفعني.
وقد كانت عيونك تعبر عن الحب، وكنت أشعر به في كل لقمة أتناولها من طعامك. كم تذكرتك وأنا أسير في طريقي، وكيف كنت تُهدينني الحنان والصبر.
قصيدة قد أعرب الدمع عن وجدي وكتماني
يقول ابن دنينير:
قد أعرب الدمع عن وجدي وكتماني، وفؤادي يعاني من صبري وسلواني. قابلت أدمعي وحزل الشوق في كلماتي، في لحظات الفراق، كانت ناراً تشعل الأحزان.
أشكو الهوى وفؤادي يستلذ بهذا الجرح، لكنني لم أجد ما يداوي الألم. لقد اخترت بعدكم نار البعد، تلك الجحيم التي أتألم فيها. وتفاصيل ذاكرتي تؤلمني أكثر، فدموعي تحرق قلبي.
لا يمكن أن أنسى طيفك المتجدد ولا أعيش من دونك. عشتُ بين جراح فراقكم، ولم أعد أحتمل ضياعي.
هذه هي طريقتي في التعبير، وهذا دمع ينهمر في غيابكم، وأنا تحت وطأة الذكريات، أناديكم في فوضى الأيام.
قصيدة تحت الشبابيك العتيقة.. الجرح القديم
يقول محمود درويش:
واقفٌ تحت الشبابيك على الشارع، درجات السلم المهجور لا تعرف خطوي. أستطيع أن أصطاد الحياة، لكن كل شيء تآكل في داخلي. الشمس تعبر، وعواصف ذكرياتي تلاحقني.
أسأليني: كم من العمر مضى منذ أن أحسسنا بلحظة الفراق؟ كل شيء بات غامضاً بالنسبة لي، بصمت عيني ينوب عن الكلمات.
عندما تبزغ الريح، تتوقف الشمس عن طهو النعاس، حينها أستطيع تسميه، لكن لا يمكنني ضبط حزني. يا زمن الشباب، أنت عابر، وكل شيء سيكون ذكرى عابرة.
علموني كيف نعيش في هذا الفوضى الداخلية. ولكنني أقاوم معاناتي والسلام الذي أفتش عنه، وأحلم بعالم يراعي القلوب ويمنحها الأمل.
قصيدة أقول لأصحابي وقد طلبوا الصلا
يقول قيس ابن الملوح:
أقول لأصحابي وقد طلبوا العون: تعالوا استظلوا، إن خفتُم من لهب صدري. فإن ليلى تحرقني بشوقي.
قالوا: نريد الماء، فأجبتهم: تعالوا، واستقوا من نهري، دمع جفوني يعوضكم عن بعدنا.
خذلوني، لكنني لا أخاف، فأنا رحت أبحث عن ذكريات تدفئني. أماني كل سوف تأتي يومًا، فأنا متعلّق بمظاهر الحياة.
ها هي الذكريات تتراقص في داخلي، وكل شيء أصبح شبحًا يرتفع في ظلام ليالي الفراق. أضمكِ حبيبتي رغم البعد، وأنتِ تحاولين أن تبقي في ذاكرتي.
قصيدة جزعت ولم أجزع من البين
يقول امرؤ القيس:
جزعت ولم أجزع من الفراق العميق. كيف لي أن أترك هذا العالم الحزين؟ في كل مرة أجري خلف أحلام لم تتحقق، أتمسك بأمل قد لا يكون له وجود.
ومع ذلك، كان كل شيء حولي يتجدد، كيف يمكنني أن أعيش في زمن لم أنس فيه الذين غادروا؟
أشعر بشوقهم يتجلى في كل لحظة، وأدرك أنه لا يمكنني أن أكون وحيداً في هذا الألم. أتمنى أن يعود إليك من جديد، وأن أراهم في طيف الذكريات.