يحتل الشعر البدوي في اللغة العربية مكانة خاصة عبر العصور، خاصةً شعر الرجولة، فهو أحد أبرز الفنون الأدبية التي يستمر الناس في تقديرها حتى يومنا هذا. وقد تطور الشعر البدوي تدريجيًا مع تطور المجتمع واختلاف الأزمنة، مما أتاح له صياغة آراء ومشاعر الناس. من خلال هذا المقال، سوف نتناول الشعر البدوي، وتاريخه، وبعض النماذج الجميلة له.
تعريف الشعر البدوي
يمثل الشعر البدوي أحد فروع الشعر العامي، ولكنه نشأ في ظروف مختلفة عن تلك التي نشأ فيها الشعر العامي الحضري، على الرغم من تقاسم العوامل المؤدية إلى ظهورهما.
تشمل هذه العوامل انخراط اللسان العربي مع أعاجم عند دخولهم إلى الامتحان، مما أسفر عن تحول اللسان من الفصحى إلى العامية، حيث اعتمد الشعراء لغة قريبة إلى قلوبهم وتعبر عن تجاربهم.
تاريخ ظهور الشعر البدوي
تعتبر البادية موطن الشعر البدوي، إذ ينسب إليها في أغلب الأحيان. ومع ذلك، تأخر ظهور هذا الشعر مقارنةً بالشعر العامي الحضري، وهذه الظاهرة تعود إلى انعزال البدو عن التأثر بالأعاجم، فضلاً عن ميلهم للاحتفاظ بالقديم وعدم السعي للتجديد.
يؤرخ بعض الباحثين بداية الشعر البدوي إلى القرن الرابع والخامس الهجري، بينما يعزو الدكتور شوقي ضيف ظهوره إلى القرن السابع أو الثامن الهجري. وقد بدأ هذا الشعر في منطقة الخليج العربي وأطراف منطقة نجد، ثم انتشر إلى مختلف أنحاء الجزيرة العربية والمناطق البدوية القريبة منها.
أمثلة على الشعر البدوي
نشأ أبناء البادية في ظروف قاسية، مما أهلهم لتطوير صفات الشهامة والقوة، وهو ما جعلهم ينشدون ويمدحون هذه الصفات. إليك بعضًا من هذه الأمثلة:
1- قصيدة “والله ماني على مدح الرياجيل بخيل”
تعود هذه القصيدة للشاعر محمد الفريجي، الذي يعتبر من أبرز الشعراء البدويين. في هذه الأبيات، يبين الشاعر صعوبة مدح الرجال، موضحًا أن السبب ليس البخل في المدح، بل إن الشهامة والرجولة تتطلب مواقف صعبة توصف بالكلمات:
والله ماني على مدح الرياجيل بخيل *** خاصة لا جيت امدح في زحول الرجال
المشكلة مدحهم حمل لا شلته ثقيل *** من ثقلها ما يقدر عليها كبار الجمال
حتى لو تحاملت على حملها لابد يميل *** مال الجمل حيله على حمل الاثقال
اجل وش حيله قلم بالقصايد يخيل *** في معانيها صدق من مزون الخيال
2- قصيدة “إذا المراجل لبسة شماغ وعقال”
في هذه القصيدة، يعبر الشاعر نواف العتيبي عن فكرة أن الرجال لا يُعرفون بمجرد الكلمات أو ارتداء الشماغ والعقال، مشيرًا إلى أنه إذا استمر الأمر على هذا النحو، ستتنافس النساء على ارتداء العمائم:
إذا المراجل لبسة شماغ وعقال *** قل للعذاري يلبسن العماي
ما عاد يفرق زول حرمة ورجال *** دام الفعايل تشبه البعض دايم
المرجلة ما هي بكلمة وتنقال *** وتروح ما راحت هبوب النسايم
ولا خشونة صوت أو رفع الأثقال *** أو رزّة صدور وفعل الزلايم
3- قصيدة “لولا المواقف ما عرفت الرجاجيل”
في هذه الأبيات، يعبّر الشاعر فيصل بن سبيل عن أن الرجولة تُعرف من خلال المواقف والأفعال، وليس بالكلمات فقط:
ولا المواقف لولا المواقف ما عرفت الرجاجيل *** والرجل يعرف بالشدايد والأفعال
أنا أشهد إن به ناس وقت البهاذيل *** لا جد وقت الجد تطري على البال
من يعجبونك في جميع المداخيل *** قوم تعز الطيب من كل مدخال
إن الصفات مثل الرجولة والشهامة تُعتبر من أبرز السمات التي يتحلى بها الرجل البدوي، لذا نجدها تتجلى بوضوح في الشعر البدوي، الذي يتضمن العديد من القصائد والأغراض الشعرية المتنوعة، مما يحجز له مكانته المرموقة بين فروع الشعر في عصرنا الحديث.