تعتبر النرجسية حالة نفسية تعبر عن اضطراب نفسي يدفع الشخص إلى حب ذاته بشكل مفرط وتفضيل مصالحه الشخصية على كل ما سواها. يستشعر الشخص النرجسي أنه فرد مميز وفريد من نوعه.
كما يعتقد أن العالم بأسره مخصص لخدمته في جميع جوانب الحياة، سواء في بيئة العمل أو في الإطار العائلي، أو في العلاقات مع الأصدقاء، أو حتى في المعاملات المالية وغيرها من نواحي الحياة اليومية.
على الرغم من أن هذه الثقة الزائدة بالنفس قد لا تتناسب مع قدراته الحقيقية، سنستعرض في هذا المقال تفاصيل حول أنواع الشخصية النرجسية، وطرق التعامل معها، وكيف يتفاعل هؤلاء الأشخاص ضمن هياكل المجتمع المختلفة.
ما هي النرجسية؟
اتفقت الدراسات والأبحاث التي أعدها علماء النفس على أن الشخصية النرجسية لا تتشكل بشكل مستقل، بل تتأثر بعدد من المتغيرات والعوامل التي قد تؤدي إلى تطورها.
على الرغم من الفجوة الكبيرة بين ما يشعر به الشخص النرجسي وما يظهره للناس، فإن سلوكياته وردود أفعاله غالبًا ما تكون غير إرادية نتيجة لعشقه المفرط للذات، غروره، والشعور بالتفوق على الآخرين.
تتكون الشخصية النرجسية عادة في مرحلة الطفولة، حيث يتشكل ذلك من خلال التفاعلات مع المقربين ومدى تأثير البيئة المحيطة على سلوكياتهم.
نتيجة لذلك، يتحول الفرد إلى شخص نرجسي لا يحب سواه، ويضع مصالحه الشخصية فوق مصالح الآخرين، حتى لو كان ذلك يؤلمه أو لا يعود عليه بالنفع، وذلك لمجرد الشعور بالرفعة والعظمة.
أصل مفهوم النرجسية
جاء مصطلح “النرجسية” من أسطورة يونانية تتحدث عن شاب يدعى نرجس، الذي أبهره وجهه عندما رآه منعكسًا في الماء.
أدى هذا الإعجاب المفرط بنفسه إلى أن يغرق في حب ذاته، لدرجة أنه قفز في البحر مفضلًا رؤية وجهه، ليلقى حتفه في النهاية. وعقب وفاته، نمت زهرة تحمل اسمه تُعرف بشجرة النرجس.
تروي الأسطورة أن نرجس كان يحب ذاته بشكل مرضي، وكان يعتبر جماله متفردًا، ويقضي فترات طويلة في تأمل صورته في المرايا.
أول كتاب عن الشخصية النرجسية
صدر في عام 1910 كتاب بعنوان “ثلاث نظريات في الشخصية النرجسية”، الذي انتشر بشكل واسع في الدول الغربية.
كان هذا الكتاب الأول الذي يسلط الضوء على خصائص الشخصية النرجسية، ويصفها بأنها تعيش في عالم موازٍ، غير قادرة على التكيف مع المجتمعات المحيطة بها. وقد تم توصيفهم كمجموعة تتسم بشذوذ اجتماعي عن بقية الأفراد، بمختلف طبقات المجتمع.
كما اعتبر الكتاب أن الشخصية النرجسية قد تنشأ نتيجة لحب الذات المفرط، وتعزيز تفضيل الفرد لنفسه على الآخرين. تمت الإشارة أيضًا إلى أنه رغم هذه الثقة، يعاني الكثير منهم من نقص في المهارات اللازمة لتحقيق هذه الثقة.
الصفات الأساسية للشخصية النرجسية
عبر الدراسات التي تم إجراؤها، استطاع علماء النفس استخراج عدد من الصفات السائدة لدى الأشخاص النرجسيين. إليكم أهم تلك الصفات:
- شعور دائم بالتفوق والعظمة، وعدم تقدير لمهارات الآخرين، والسعي لتقليل قدراتهم.
- ميل دائم نحو تحصيل الأهداف والأمنيات بطرق قد تلحق الأذى بالآخرين.
- اعتقاد راسخ بأن جميع من حوله مكرسون لخدمته.
- إذا حصل على منصب قيادي، يركز فقط على تحقيق أهدافه حتى ولو كان ذلك على حساب أقرب الناس إليه.
- شعور مستمر بأنه القائد بلا منازع، ولا يحترم آراء الآخرين، ويؤمن بصواب قراراته فقط.
- يحتاج دائمًا إلى الإشادة من الآخرين حتى عند عدم تقديم أي عمل ملموس.
كيف نتعامل مع الشخص النرجسي؟
من الضروري توخي الحذر عند التعامل مع الشخصيات النرجسية، والحرص على التعرف على صفاتهم وطبائعهم.
تجدر الإشارة إلى أن العديد من الأشخاص النرجسيين لا يتقبلون النقد، حتى لو جاء من أقرب المقربين.
في حالة وجود شخص نرجسي في بيئة العمل، فعادةً ما يحتاج إلى تمدحه والشعور بأهميته داخل الفريق.
بينما يوجد أيضاً بعض النرجسيين الذين يميلون إلى الانطواء، مما يجعلهم يفضلون البقاء بمفردهم للحفاظ على صورتهم ومنزلتهم.
غالبًا ما تعتبر الشخصية النرجسية غامضة وصعبة الفهم، حيث تسعى لإخفاء حقيقتها وتتخفى خلف قناع مختلف عن طبيعتها.
تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على النرجسية
مع التطور التكنولوجي السريع وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح من الصعب على علماء النفس تحديد الشخصية النرجسية بدقة.
تشير الدراسات إلى أن الشخص الذي يقوم بنشر صور متعددة على منصات التواصل الاجتماعي لا يُعتبر بالضرورة نرجسيًا، بل قد يكون لديه فضول للعرض.
ومع ذلك، هناك أحيانًا علامات تبدو على بعض هؤلاء الأفراد، مثل نشر الصور مع تعليقات مدح مبالغ فيها، حيث يتطلب ذلك الثناء من الأصدقاء والعائلة.
لذا يمكن القول بأن وسائل التواصل الاجتماعي قد تؤدي إلى تعزيز قيم وخصائص الشخصية النرجسية، مما يستوجب الحذر منها.