قصيدة حياة ما نود أن نُثبِت لها دلالاً
حياةٌ ما نود أن نُثبِت لها دلالاً
ودنيا لا نرغب بالانتقال إليها
وعيشٌ في جذور الموت كسمٍّ
عصارتها، وإن كانت تبسط الظلال
وأيامٌ تمر بنا كالسحاب
وإن كانت يبدو أنها تتسلل بنا كالنمل
نرى في الضمير هوىً وحبّاً
ونسمعها التبرم والملل
قصارٌ حين نجري اللهوَ فيها
طوالٌ حين نقطعها أفعالاً
ولم تضق الحياة بنا، ولكن
زحام السوء ضيق مجالها
ولم تقتل برحتها أبنائها
ولكنهم ساعدوا الموت اقتتالاً
ولو زاد الناس الحياة سعيًا
وإخلاصًا لزادهم جمالاً
كأن الله عندما وزّع المعالي
أدخر الكمال لذوي الواجب
سمعت لها أزيزًا وابتهالاً
ولوعًا بالصغائر واشتغالاً
وليسوا أكثر الأحياء عيشًا
لكنهم أنعم الأحياء بالاً
إذا فعلوا فخير الناس فعلاً
وإن قالوا فالأكرم بكلامهم
وإن سُئلوا عن الأوطان أعطوا
دمًا حرًا، وأبناءً، وأموالاً
بني البلد الشقيق في عزاء جار
أهاب بدمعه شجنٌ فسال
قضى بالأمس للأبطال حقًا
وأصبح اليوم بالشهداء غالياً
قصيدة وجدتُ الحياة سبيلاً
وجدتُ الحياة سبيلاً
إلى بعثةٍ وشؤونٍ أخرى
وما هابطًا ينزل النازلون
ولا عبثًا يزمعون السفر
فلا تحقر عالمًا أنت فيه
ولا تجحد الآخر المنتظر
وخذ لك زادين: من سيرة
ومن عمل صالح يدخر
وكن في الطريق عفيف الخطا
شريف السماع، كريم النظر
ولا تخلو من عمل فوقه
تعش غير عبدٍ، ولا محتقر
وكن رجلاً إن أتوا بعده
يقولون: مرَّ وهذا الأثر
قصيدة خطت يدك روضة غناء
جد من الفن للحياة وما حوت
ستجد الحياة من الجمال خلوة
بالفن عالجت الحياة طبيعةً
قد عالجت في واحة الصحارى
تأوي إليها الروح من رمضاء
فتصيب ظلًا، أو تصادف ماءً
نبض الحضارة في الممالك كلها
يجري السلامة أو يدق الداء
إن صَحت فهي على الزمان صحيحة
أو زافت كانت ظاهرًا وطلاء
انظر أبا الفاروق غرسك، هل ترى
بالغرس إلا نعمة ونماء
من حبة خُذِرت، وأيدٍ ثابرت
جاء الزمان بجنة فيحاء
وأكن الفن الجميل خميلة
رامت الظلال ومدت الأفياء
بذل الجهود الصالحات عصابة
لا يسألون عن الجهود جزاء
صحبوا رسول الفن لا يألون
حبًا، وصدق مودة، ووفاء
دفعوا العوائق بالثبات، وجاوزوا
ما سر من قدر الأمور وساء
إن التعاون قوة علية
تبني الرجال وتبدع الأشياء
فليهبهم حاز التفاتك سعيهم
وكسا نديهم سنا وسناء
لم تبد للأبصار إلا غارسًا
لخالف الأجيال أو بناء
تغدو على الفترات ترتجل الندى
وتروح تصطنع اليد البيضاء
في موكب كالغيث سار ركابه
بشرا، وحل سعادة ورخاء
أنت اللواء التف حولك قومك
والتاج جعله الشعوب لواء
من كل مئذنة سمعت محبة
وبكل ناقوس لقيت دعاء
يتألفان على الهتاف، كما انبرى
وتر يساير في البنان غناء
خلقنا للحياة والممات
خلقنا للحياة والممات
ومن هذين كل الحادثات
ومن يولد يعش ويمت كأن لم
يمر خياله بالكائنات
ومهد المرء في أيدي الرواقى
كنعش المرء بين النائحات
وما سلم الوليد من اشتكاء
فهل يخلو المعمّر من أذى
هي الدنيا، قتالٌ نحن فيه
مقاصد للحسام وللقناة
وكل الناس مدفوعون إليه
كما دفع الجبان إلى الثبات
نرَوّع ما نرَوّع، ثم نرمي
بسهم من يد المقدور آتي
صلاة الله يا تمزار تجزي
ثراك عن التلاوة والصلاة
وعن تسعين عامًا كنت فيها
مثال المحسنات الفصيحات
بررت المؤمنات، فقال كل
لعلك أنت أم المؤمنات
وكانت في الفضائل باقيات
وأنت اليوم كل الباقيات
تبناك الملوك، وكنت منهم
بمنزلة البنين أو البنات
يظلّون المناقب منك شتى
ويؤوّنون التقى والصالحات
وما ملكوك في سوق ولكن
لدى ظل القنا والمرهفات
عنِنت لهم بمؤرّة بنت عشر
وسيف الموت في هام الكماته
فكنت لهم وللرحمن صيدًا
وواسطة لعقد المسلمات
تبعت محمدًا من بعد عيسى
لخيرك في سنيك الأوليات
فكان الوالدان هدى وتقوى
وكان الولد هذه المعجزات
ولو لم تظهري في العرب إلا
بأحمد كنت خير الوالدات
تجاوزت الولائد فاخرات
إلى فخر القبائل واللغات
وأصون صائنًا لأخيه عرضًا
وأحفظ حافظًا عهد اللدات
وأقتل قاتلًا للدهر خبرًا
وأصبر صابرًا للغاشيات
كأني والزمان على قتال
مسا جلة بميدان الحياة
أخاف إذا تثاقلت الليالي
وأشفق من خفوف النائبات
وليس بنافعي حذري، ولكن
إباءً أن أراها باغتات
أمأمونٌ من الفلك العوادي
وبرجله يخط الدائرات
تأمل: هل ترى إلا شباكًا
من الأيام حولك ملقاة
ولو أن الجهات خلقن سبعًا
لكان الموت سابعة الجهات
لعًا للنعش، لا حبًا، ولكن
لأجلِكِ يا سماء المكرُمات
ولا خانته أيدي حامليه
وإن ساروا بصبري والأناة
قصيدة مُصابُ بني الدنيا عظيمٌ بأدهم
مُصابُ بني الدنيا عظيمٌ بأدهم
وأعظم منه حيرة الشعر في فمي
أأنطق والأنباء تترى بطيب
وأسكت والأنباء تترى بمؤلم
أتيتُ بغالي مع الثناء المنظَّم
فمن لي بغالي في الرثاء مُنظَّم
عسى الشعرُ أن يجزي جريئًا، لفقده
بكى الترك واليونان بالدمع والدَم
وكم من شجاعٍ في العداة مكرَّمٍ
وكم من جبانٍ في اللدات مذمَّم
وهل نافعٌ جَريُّ القوافي لغاية
وقد فتكت دهم المنايا بأدهم
رمت فأصابت خير رامٍ بها العِدَى
وما السهم إلا للقضاء المحتَّم
فتًى كان سيف الهند في صورة امرئ
وكان فتى القتيان في مسك ضيغم
لحاه على الإقدام حسّاد مجده
وما خُلِق الإقبال إلا لمُقبل
مزعزعُ أجيال، وغاشي معاقل
وقائدُ جارٍّ، ومُزجي عَرَمْرَم
سلوا عنه مليونًا وما في شعابه
وفي ذروته من نسور وأعظم
وقال أناس: آخر العهد بالملا
وهمت ظنونٌ بالتراث المقسَّم
فأطْلع للإسلام والمُلْك كوكبًا
من النصر في داجٍ من الشك مظلم
ورحنا نباهي الشرق والغرب عزَّة
وكُنّا حديث الشامت المترحِّم
مفاخر للتاريخ تُحصى لأدهم
ومن يُقْرِض التاريخَ يربح ويغنم
ألا أَيُّها الساعون، هل ليس الصفا
سوادًا، وقد غصَّت الورودُ بزمزم
وهل أقبل الركبان ينعون خالدًا
إلى كل رامٍ بالجمار ومحرم
وهل مسجدٌ تتلون فيه رثاءه؟
فكم قد تلوتم مَدحه بالترنُم
وكان إذا خاض الأسنة والظبي
تَنَحَّتْ إلى أن يَعْبر الفارس الكمي
ومَنْ يُعطى في هذي الدنيا فُسحةً
يعمّر وإن لاقى الحروب ويسلم
عليٌّ أبو الزهراء داهية الوغى
دهاهُ بباب الدار سيف ابن ملجم
فروق، اضحكي وابكي فخارًا ولوعةً
وقومي إلى نعش الفقيد المعظَّم
كأم شهيدٍ قد أتاها نعيُّة
فخفّت له بين البكا والتبسُّم
وخطّي له بين السلاطين مضجعًا
وقبراً بجنب الفاتح المتقدّم
بخلْتِ عليه في الحياة بموكبٍ
فُتوبي إليه في الممات بمأتم
ويا داء، ما أَنصَفْتَ إذْ رُعْتَ صدره
وقد كان فيه الملك إن ريعَ يحتمي
ويا أيها الماشون حول سريره
أحطتم بتاريخٍ فصيح التكلُّم
ويا مصر، مَنْ شيَّعتِ أعلى همامة
وأثْبَتَ قلبًا من رواسِي المقطَّم
ويا قوم، هذا من يُقام لمثله
مثالٌ لباغٍ قدوة مجتهد
ويا بحر، تدري قدرَ مَنْ أَنت حاملٌ
ويا أرض، صونيه، ويا ربي، ارحم!