قصيدة نزار قباني
ماذا يمكن أن أخبره لو جاء يسألني..
إن كنت أكرهه أم أهواه
ماذا سأقول، إذا استطاعت أصابعه
أن تلملم ظلام الليل عن شعري وتغدق عليه الحنان
غداً حينما يأتي، سأعطيه رسائله
ونشعل النار بأجمل ما كتبناه
حبيبتي، هل أنا فعلاً حبيبها؟
وهل أصدق بعد الفراق ادعاءاته؟
أما انتهت قصتي معه بعد سنوات طويلة؟
ألم يمت ذكره كخيوط الشمس؟
أما كسرنا كؤوس الحب منذ زمن بعيد؟
فكيف نبكي على كأسٍ قد كسرناه
رباه، أشياؤه الصغيرة تؤلمني
فكيف يمكنني الهروب من الأشياء، يا رباه
هنا جريدته مهملة في الزاوية
وهنا كتابٌ يذكرني بأيام كنا نقرأ فيه معاً
على المقاعد بقايا من سجائره
وفي الزوايا، آثار من ذكرياته
ما لي أحدق في المرآة، أسألها
وفي أي ثوبٍ سألقاه؟
أأدعي أنني أكرهه الآن؟
وكيف أكره من يسكن في جفني؟
وكيف أهرب منه، فهو قدري
هل يمكن للنهر تغيير مساره؟
أحبه، ولا أدري ما أحب فيه
حتى خطاياه لم تعد خطاياه
الحب في العالم، جزءٌ من تخلينا
ولو لم نجده، لخترعناه
ماذا أقول له إذا جاء يسألني
إن كنت أهواه، إني ألفٌ أهواه
أخبروني بأن هناك أجمل مني
يا صديقتي، هل أخذت مكانتي؟
أخبروني بالأمس، عنك وعنها
فلماذا، يا سيدي، لم تخبرني؟
ألف شكر لك، يا من حطمت كبريائي
أوهذا هو جواب حبي وإخلاصي
أحبك، لا أدري أين تنتهي حدود حبي
طباعي كالعواصف، وعواطفي كالأنهار
وأعرف أنني متعب، يا صديقتي
وأعلم أنني عاطفي، أطفالٌ في حبهم
أحب بأعصابي، أحب بكل كياني
أحب بدون تقيد، ولا عقل
يا سيدتي، في هذه الصفحات
ستجدين ألوف الكلمات
بينها الأبيض والأحمر
والأزرق والأصفر
لكنّك، يا قمري الأخضر
أجمل من كل الكلمات
أكبر من كل الكلمات
حبك كالهواء، يا حبيبتي
يحيط بي
من حيث لا أدري، أو أشعر به
جزيرة حبك، لا يطالها الخيال
حلمٌ من الأحلام
لا يحكى ولا يُفَسَّر
قلي، ولو كذباً، كلماتٍ ناعمة
قد كاد يقتلني بك التمثال
ما زلت في فن الحب، طفلةً
بيني وبينك أبحر وجبال
لم تستطيعي بعد، أن تفهمي
أن جميع الرجال أطفالٌ
إني أرفض أن أكون مهرجاً
قزماً، على كلماته يتلاعب
فإذا وقفت أمام جمالك صامتاً
فالصمت في حضرة الجمال جمال
كلماتنا في الحب، تقتل حبنا
إن الحروف تموت حين تُقال
قصيدة أحمد الصالح
إليكِ يرسل هذا الحب أفئدةٌ
تتجه إليكِ .. وفيها نبوءة اللقاء
مشت إليكِ بأشواق تنقلها
قلوبٌ أفقدها الحب المستعر
مليحة .. ومعين الغيم أرضعها
هذا الجمال .. لم تمل ولم تفطم
تفتح أرضها عن سر فتنتها
مرابعٌ أثقلت في عشقها الأمم
ألقى لها المزن هتان الهوى غدقاً
فكل وادٍ يباهي حسنها البديع
قد تيمته وكانت في دفاتره
قصيدة تُسكر الأوراق والقلم
أبياتها لغة لم تفضح أحرفها
إلا ليكتب عنها العشق ما نظما
ذكرى تلامس طيباً في خمائلها
فاهتز يسأل عنها قلبه الشغوف
كانت هنا، يا أبا “غسان” مشرقة
عرفت أنسًا احتضنوا الشجر
وعرفت أعذب الأيام، بكم عذبت
“أبو محمد” في أيامها قد جلى
مجالس عبق الذكرى تخلدها
عبر الزمان، ومهما تكررت قِصصها
أبها، هناك القلب والذكرى تعلله
والقلب يستعجل الأيام ويكتمها
مشى إليه الهوى ملتقياً
مفاتن وماغانٍ عانقت عشما
أبها لها في مدار السحب مكانةٌ
سرير الهدهد يشتعل بنفحات الصبا
أبها وهذا ثراءُ الجمال أبدعه
من أبدع الكون أرضاً أخصبت وسما
تلفت أعين العشاق مدهوشةً
ما أبهج العين أو أغراها العطر
شدوا إليها السُرى والشوق يحملهم
على ثرى الحسن يلقى الناس مبتسماً
أحبابنا الصيف فيها بعض من سحرها
فجئت أعشق فيها الهدوء والمطر
قصيدة جاسم محمد الصحيح
لغتي سفرجلة تفوح بأبجديات الهوى
وأنا وأنتِ غوايتانِ سخيتانِ
فما اكتفى الشوق الحلال من العواطف
إلا هفا الشوق المحرم
هل يعرف الشوق الحلال من الحرام؟
هي تلك رغبتنا تنادينا
فقومي نعقد الجسدين
دائرة من الصبوات مغلقة على زجاني حمام
من هنا ابتدأ المقام
من همسة سحبت على الزندين طلسمة
وسيّجت الصبابة بالعناق
فالعشق أوله اشتياق
والعشق آخره احتراق
ماذا إذن، بين البداية والختام؟
تُهنا في وادي الليل ما بين البداية والختم
كنا نبحث عن طريق إلى جوهرنا
وكان الحب كعمود صبحٍ في جوانحنا، استقام
ونضوت عنك جريرة الفستان
في وهج التجلي ..
آه ما أحلاكِ يا لهباً تجسد في قوامكِ
من أين سال وميضكِ القديس في صدري
ليمسح عن ترائبي الأثام؟
قصيدة محمد درويش
على الأنقاض وردتنا
ووجهانا على الرمل
إذا مرت رياح الصيف
أشرعنا المناديل
على مهل، على مهل
وغَبنا تحت أغنيتين، كالأسرى
نراوغ قطرة الطل
تعاالي مرةً إلى البال
يا أختاه
إن أواخر الليل
تعريني من الألوان والظل
وتحميني من الذل
وفي عينيكِ، يا قمري القديم
يشدني أصلي
إلى إغفاءه زرقاء تحت الشمس
بعيداً عن دجى المنفى
قريباً من حمى أهلي
تشتاقين للطفولة فيك
مذ طارت عصافير الربيع
تجردت الشجر
وصوتك كان، يا من كان
يأتي
من الآبار أحياناً
وأحياناً ينقطه لي المطر
نقياً، هكذا كالنار
كالأشجار.. كالأشعار ينهمر
تعاالي
كان في عينيك شيءٌ أشتهي
وكنت أنتظر
وشديني إلى زنديك
شديني أسيراً
مِنك يغتفر
تشتاقين للطفولة فيك
مذ طارت
عصافير الربيع
تجردت الشجر
ونعبر في الطريق
مكبلين
كأننا أسرى
يدي، لم أدر، أم يدك
احتست وجعاً
من الأخرى
ولم تطلق، كعادتها،
بصدري أو بصدرك
سروة الذكرى
كأنّا عابرا دربٍ،
ككلّ الناس
إن نظرنا
فلا شوقاً
ولا ندماً
ولا شزراً
ونغطس في الزحام
لنشتري أشياءنا الصغيرة
ولم نترك لليلتنا
رماداً.. يذكر الجمرات
وشيءٌ في شراييني
يناديني
لأشرب من يدك ترمد الذكرى
ترجّل، مرةً، كوكب
وسار على أناملنا
ولم يتعب
وحين كتبت عن عينيك
نقّط كل ما كتبت
وشاركنا وسادتنا
وقهوتنا
وحين ذهبت
لم يذهب
لعلي صرت منسياً
لديك
كغيمة في الريح
نازلةً إلى المغرب
ولكن إذا حاولت
أن أنساك
حطّ على يدي كوكب